كوم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الخميس أخيرًا بعد أسبوع صعب، إي صعب وليس متعب، رحلة السبت إلى ساحل “العشاق”، اختبارات الأولاد، عملية زوجة عمي، وتفاصيل صغيرة أخرى وليس لنا سوى الحمد.. كل هذه الترتيبات لها قصة وكوم، واختبارات الأولاد كوم آخر!


عدت بالأمس محبطة، بصوت مختفي وغصة لم ترضَ بالدموع الذي ذرفتها أمام الأولاد، يحدث هذا نهاية كل عام تقريبًا، يوم اختبار من النهائيات والأداء فيه محبط إلى حد يمكنه بكل بساطة كسري تمامًا، لأن أسوأ شيء قد يؤذيني هو ألا تؤتي جهودي ثمارها المأمولة، ومع هذا أعرف جيدًا أن تلك الدمعتين التي سقطت كانتا في غاية السخف، فالمعلم يجب أن يكون حديديًا دائمًا ومرح، وحين يبدأ بالبكاء على طلابه فهذا يؤدي إلى شعور تلاميذه بالذنب، والبعض لا داعي لشعورهم بهذا فهم يبذلون جهودهم بالمقابل، حتى وإن كان البعض الآخر يستحسن أن يتعرف على مسؤوليته تجاه معلمه من بذل الجهد والمذاكرة، وقد كدت أخسر أحد التلاميذ الذين يبذلون كل جهودهم بسبب خوفه من الدمعتين، مما اضطرّني إلى كسر القاعدة والجلوس معه لأقلل من شأنها!

والحكاية ليست سوى أنني شعرت بإحباط شديد حين رأيت البعض لا يحاول حتى العمل على المسائل، والبعض يخطئ في العد بعد الثلاثين، والبعض يتسلى بالتفرجة فقط.. احباط لا يوصف، لأن السؤال كان يدور فوق رأسي مثل تلك النجوم التي تدور حول الرؤوس في الكارتون: ألم أقدّم الدروس بكل جهدي؟ بماذا أخطأت كي يكون الوضع هكذا؟ وما معنى أن أستمرّ في الاختبار في حين أني أرى الأداء بهذا الضعف؟

إنني أدرُس كيف أدرِّس؛ فماذا بعد!؟

الوسائل التعليمية، استخدام الخيال في إيصال الأفكار، العصف الذهني، تنمية مهارات الإلقاء والثقة بالذات، علاقات قوية في الفصل تمكنني من الأخذ والعطاء… ماذا أفعل أيضًا!

أنا لم أفقد الشغف بتعليم هؤلاء الصغار، لا. إنما أشعر بكثير شك حين لا أجد نتيجة فعلية بعد طول مجهود، إذا أردت أن أفحص الأسباب فسأجد على رأسها السبب الذي يستفزني أكثر: ضيق الوقت الذي أقدّم فيه. والتالي لهذا السبب الفظيع هو أن ولي أمر الطفل معتمد تمامًا على تلك الساعتين التي يقضيها طفله عندي، أي أنه لا يتابعه جيدًا، لا يراجع له، لا يغذي أي مما أغرسه، حتى أن الأطفال يأتون بعد يوم العطلة كما تركتهم تمامًا، بدون أي حصيلة تذكر أو تدريب يشكر، فقط وقت الاختبارات يأتي دور ولي الأمر بأسوأ صوره الممكنة؛ حيث يراجع للطفل بكثرة حتى يمل الطفل أو ينصرف ذهنه، وعندها تحدث الطامة: يهدّده إن هو خسر درجة او اثنتين لأنه لن يرضى له سوى المركز الأول نهاية العام، إلى حد أنه يمكن أن يسحبه من الصف للعام كاملًا بعد خسارته الدرجات اللازمة للحصول على المركز الأول!

بين الدمعة وأختها، سألت الأطفال: لماذا ندرس؟ ليش نتعلّم؟ ليش نتعب نفوسنا؟ ليش نجي من البيت من بعيييد بس عشان الست تقول لنا وتدرسنا؟ ليش؟

والإجابات كانت الطعم الذي اصطاد الدمعة التالية:

_ عشان نجي الأوائل.

_ عشان ماما/ بابا/ الاستاذة تحبنا.

_ عشان نلاقي فلوس لما نكبر.

والبقية بلا إجابات!

كيف فاتني هذا العام أن أحكي لهذه الدفعة جدوى التعليم؟ آلمني تقصيري حتى أن صوتي رقّ حقًا وخرجت كلماتي مخنوقة وأنا أطلب الصمت من كل هذا الذي يقولونه؛ نحن نتعلم لأن الله أعطانا عقل وعلينا أن نغذّيه كي نعيش أفضل. قلت ومسحت دمعتي قبل أن أستأنف: لا ندرس لنكون الأوائل في الصف ولا ليحبنا أي أحد ولا لنحصل على النقود، نحن لسنا بهائم، لسنا مثل الحمار الذي لا يسع عقله إلا النوم والأكل والشرب، ولا يفهم ما نقول حتى نضربه فيتحرك، إذا لم نتعلم فسنكون مثل هذا الحمار بالضبط، هل تريدون أن تكونوا حميرًا؟!

وكي لا ينتفخ قولوني أكثر مما يجب، أعطيتهم أوراق الاختبار كي يراجعوا منها وكي لا أصححها أبدًا وأعيش ليلة حمراء من الوجع والقهر.

يقلقني أن يبدو كل ما قلته هراء ودراما، لأنني أكره أن يُقلّل من شأن دوري كمعلم، كمربي أطفال، كمدرس تمهيدي، يغني ويحلم مع الصغار في الحصص، الصعوبة تكمن هنا؛ أن تدرّس بالحيلة، أن تمسك بيد شقي صغير لكي يرى السلالم الأولى التي عليه أن يرقاها وحده بدون مساعدة في حياته، كيف يقرأ وكيف يكتب وكيف يعرف من هو ولماذا هو يحيا وماذا عليه أن يفعل ليجد طريقه الخاص. أكتب هنا كل هذا لأني يئست من سطحية الأفكار في محيطي حول دوري كمعلمة أطفال، ولأنني أعرف أنني لو قلت هذا لمن حولي لوجدت الاجابة المعتادة والمغيظة دائمًا: لماذا تفعلين بنفسك كل هذا؟ هؤلاء أطفال في النهاية!

أعرف، هم أطفالي أصلًا، لكن إذا لم يجتازوا هذه المرحلة فسيظلون أطفالًا للأبد، كما أحب أن أعيش دوري حتى لو تأزمت يومًا فهذا سيدفعني للمضي أقوى من جديد. بالتأكيد لست أحب أن أتأثر كل هذا التأثر وأسمح بكل هذا الوجع ولكن ليس بيدي حيلة، اللهم إلا التمني بأنني سأنهض وأقاتل من جديد مستغلة آخر أيام الفصل الثاني قبل الامتحانات، لعلّي أنقذ ما يمكن أن ينقذ…

قناة معلم أطفال وقعت عليها وجلت بين الفيديوهات اللطيفة عشرات المرات دون ملل. جزاه الله خيرًا على كل فكرة ومعلومة ونصيحة وابتسامة وجدتها عنده.

يا رب؛ وفّق صغاري وبصّرهم، علمهم يا معلم آدم، وفهّمهم يا مفهم سليمان.. عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم.

4 أفكار على ”كوم

  1. بارك الله فيك يا اسماء على احسانك في عملك كمعلمة، و اتمنى لو تسمح لي الفرصة ان تكوني معلمة لأطفالي او ان اجد معلمة بمثل اجتهادك و مشاعرك و احساسك بالمسؤولية تجاههم!

    كم هم محظوظون و لكن غير مدركين لذلك!

    استمري على ما انت عليه و لا تيأسي، سترين ثمرة اجتهادك فيهم قريباً!

    Liked by 1 person

  2. لا شيء يصف امتناني للطف كلماتك بثينة💗
    أود أن أقول أنني كنت لأكون محظوظة بتعليم صغارك اللطفاء وبالأخص منصور الصغير الذي يطل دائمًا من وراء النصوص والنشرات البريدية بشكل يجعلني أبتسم تلقائيًا، حفظهم وبارك فيهم وأقر عيونكم بهم. 😙

    إعجاب

أضف تعليق