موسم “الديمان”

هذا موسم “الديمان” في عدن، وهناك دائمًا أولاد مشاكسون يقطفون ثمر غيرهم من وراء السور، عبر التسلق أو “الجَرَعَة” وهي العصا الطويلة (أي عصا) منتهية بسلك معدني متحلق حولها ويقف طرفه الآخر كخُطاف. إن كنتَ تعرفها باسم آخر فأفِدنا بذلك من فضلك.

نعرف الديمان منذ طفولتنا، وموسمه بالنسبة لنا موسم مختلف عن كل المواسم، لأنه لا توجد الكثير من الثمار التي تشبهه بالطعم، طعمه المميز وتكوينه الغريب، حلو ومُر في نفس الوقت، هش في البداية خانق في مرحلة ما. الديمان الاسم الشعبي عندنا لثمرة “اللوز الهندي” وربما يكون معناه من الدوام فهي دائمة الخضرة. هي شجرة مشهورة في الهند وماليزيا وموطنها الأصلي في المكسيك وفلوريدا وجنوب شرق آسيا بشكل عام كما يقول ويكيبديا هو نبات أصيل في ساحل المحيط الهادي والمرتفعات المجاورة له. وهي معروفة في المناطق الحارة من الوطن العربي نظرًا لسهولة زراعتها وتكيفها مع المناخ الجاف والحار. ومن أسماءها أيضًا: تمر العبيد، وأهالي البحرين وعمان والامارات يسمونها صبار. في ويكيبديا يسميه: غاف البحر. واسمها العلمي هو “Pithecellobium dulce” وهي من فصيلة البقوليات.

استغربتُ تسميته باللوز الهندي، ولا أرى أي تشابه لطعم اللوز! لكن ربما يرى البعض هذا التشابه بالشكل. فهو ذو قوام ليفي بقشرة طرية وطبقة رقيقة من اللب. يحتوي اللوز الهندي على نسبة مرتفعة من مادة التانين القاتلة البكتريا والفطريات التي تهاجم الجسم. تساعد مادة التانين في تقوية الجهاز المناعي وحماية الجسد من الأخطار الصحية. تتعدد فوائد اللوز الهندي الصحية والجمالية، فهو غني بالعناصر المطهرة للبشرة التي تعمل على علاج البثور والحبوب. لذلك يستخدم في علاج الأمراض الجلدية كالصدفية والجذام. يساعد اللوز الهندي في علاج مشكلات الجهاز الهضمي، فهو ملين طبيعي ومعالج لحالات عسر الهضم. يعمل أيضاً على علاج التهابات القولون ويحرك الأمعاء للطرد السموم. يقي اللوز الهندي من الشعور بالإرهاق ويعتبر علاج طبيعي للصداع. يُطلق عليه أحيانًا “الصيدلية المتكاملة”! فله استخدامات صحية وتجميلية.

الشيء الذي فوجئتُ به بشدة هو أن بعض المواقع تقول أنه يمكن استخدامه لتحضير المخبوزات مثل الكوكيز، الخبز والحلويات بالإضافة إلى وصفات مالحة مثل الشوربة واليخنات… وهذا مفاجئ للغاية، كيف يمكن استخدامه؟ من يعرف يدلنا بارك الله فيه

شجرة اللوز الهندي خيار مشهور لأن احتياجاتها قليلة، فهي تتحمل المياه المتوسطة الحموضة وحاجتها للري متوسطة، وهي مقاومة للجفاف، وتتحمل الظروف القاسية، بل وعرفت أن بعض الناس كانوا يزرعونها حول المزارع كحماية لها بوصفها ستارة نباتية ونبات ظل. وتتكاثر عبر البذور بكل سهولة. وهنا نصل لمشكلة؛ وهي أن شجرة اللوز الهندي تضرب جذورها بقوة في الأرض، وقد سببت بعض الاخطار على أساسات بعض المنازل المجاورة لها، فهي تتشعب تحت الأرض بطريقة مدهشة، وقد يصل الأمر إلى محاولتك لبترها بدون فائدة إذ تعود للنمو أسرع وأسرع! ولهذا تنتشر بكثرة في بعض المناطق وتمنع التنوع البيولوجي، وتمنع أو تبطئ نمو الأشجار الأخرى.

في طفولتي كنتُ صديقة صدوقة للبيئة، وبالتحديد لشجرة الديمان، ولكني لم أفكر بزراعتها في بستاني الصغير (الذي لم ألحق أن أصوره في تلك الفترة وهو مليء بالزهور والياسمين مع الأسف) لأنها كانت شجرة ضخمة في حوش بيت عمي المهجور، وقد نبتت لوحدها بدون أن يقوم عليها أحد فيما أعرف، ولذلك فقد بقيتُ أتسلقها سنين وآكل من ثمرها الحلو وأعطي للعائلة بفخر، وكانت ويا للغرابة تثمر دائمًا بدون مواسم محددة!، إلى أن جاء يوم ورأيتُ ثعبانًا حقيقيًا يتلوى في الأرض قرب الجذع وأنا معلقة على أغصانها، كان أسود ضخم، لم أشعر بالرعب أكثر من التقزز، وتوقفتُ عن أكل ثمارها لفترة في مزيج مختلط من الخوف والتقزز، وفكرتُ وقتها بزراعة الشجرة في بستاني وتخيلتُ خيالات حلوة وضخمة، وفعلًا غرزتُ بعض البذور وبدأت تنبت بسرعة وأنا أراقبها بلهفة. ثم إنني حكيتُ لعائلتي عن ذلك، فاستاء أبي وقال أنه سينتشلها بالضرورة، وحكي لي كيف أن أساس بيت عمي لم يعد آمنًا بالمرة بسبب هذه الشجرة، وعندما زاد يسألني عن سبب توقفي عن أخذ الثمار من شجرة عمي وعرف بقصة الثعبان حتى قرر أن يخبر عمي بالأمر كي يبتروها نهائيًا… هكذا تحطمت أحلامي نهائيًا وأصبحتُ شبه حاقدة على الشجرة، لكني اليوم حين أنظر لبيت عمي، بلا شجرة ديمان، لكن ببناء هش للغاية مليء بالشروخ حتى أحمد الله على معرفة أبي بإقدامي على زرعها في البستان الملاصق لبيتنا. لكن لم تنتهي علاقتي بالشجرة نهائيًا، هناك شجرة جيراننا وهي قديمة معمرة لا أعرف ماذا فعلت بأساس البيت بعد هذا العمر كله، لكني لا أحبها كثيرًا بصراحة إذ أكره المواسم التي تصبح فيها مليئة بالأكياس والقراطيس وكأنها شجرة البلاستيك! هناك أيضًا منها على الضفة الأخرى مقابل بيت جدي، وهناك في بيت خالتي.. الشيء الوحيد المختلف أن طعمها يصبح ثانيًا عندما تقطفها بيدك، وتختار بين العنقودين منها أيهما أشد حمرة وأكثرها نضجًا وحلاوة. أيااام والله

بالمناسبة؛ الشجرة كانت شعار لدولة الامارات العربية المتحدة عام 2019م عام التسامح. عفوًا؛ المقصود بشعار التسامح لعام 2019 في الامارات هي شجرة الغاف الصحراوية وليس شجرة غاف البحر “اللوز الهندي”. شكرًا للتنبيه نبيلة 💐

مصادر ومراجع:

من تويتر.

فوائد اللوز الهندي.

فوائد أخرى.

ضمن نباتات الرياض.

فاكهة الصيف المقاومة لجفاف الأرض، فيديو.

يسميه البعض” زلابيا”، فيديو.

7 أفكار على ”موسم “الديمان”

  1. أهلا بالاصدقاء..
    هذه التدوينه أثارت ذكريات طفوليه جميله ..
    بالنسبة لشعار عام التسامح في دولة الامارات فهى لأوراق شجر الغاف الصحراوية(ولها رمزية خاصة عندنا) وليس لشجرة الصبار التي ذكرتيها في التدوينه والتي كنا نتسابق لقطف ثمارها وأحينا بيعها على الأصدقاء..اليوم للأسف نادرا ما نراها..
    دمت بود وأمان..

    Liked by 1 person

  2. هذه الثمار كدت أن أنساها تماماً، كانت عندنا في السودان عندما كُنا صغار، اسمها عندنا (تمر هندي) لكنها اﻵن اختفت تماماً، ووجدناها بكثرة في جنوب السعودية، كانت لها طعم مميز لكني نسيته اﻵن، خصوصاً المحمرة أو ذات اللون الوردي، لكن كان بها طعم لاذع خصوصاً إذا لم تنضج بعد على ما أذكر

    Liked by 1 person

  3. أهلًا بك.
    صحيح ذكرت مسألة بيع الثمار الحلوة هذه وكانت على بخسها نقود ثمينة بالنسبة لعيوننا الصغيرة.
    شكرًا لتنبيهي على الخطأ. ما خدعني أني حين بحثتُ عن “غاف البحر” الاسم الثاني لشجرة اللوز الهندي أو الصبار جاءت النتائج عن عام التسامح في الامارات. سأعدلها الآن وشكرًا للتنبيه مجددًا، وأهلًا بك وسهلًا🙏☺

    Liked by 1 person

  4. صحيح، هي مريرة قبل أن تنضج، وتكون ثخينة خانقة. لكن بعد النضج، عندما تصبح حلوة، بصراحة أجد طعمها مشابهًا قليلًا لطعم السفرجل، لكني لم أجد بعد الكثير ممن يوافقني على ذلك.😅
    لماذا اختفت يا ترى؟ إن اختفت في المدن فستكون موجودة بعد في الريف حيث المزارع لأنها خيار أولي لحمايتها من الريح وكذلك للظل.
    حان موسم قطافها إن وجدت فذُق ولا تضيع فرصة استعادة الذكريات🙂

    Liked by 2 people

  5. السفرجل نبات وردي مما يحمر بعد القطع مثل التفاح. طعمه مميز وقوامه قريب في غلاظته من الجوافة.
    العفو منكم؛ أخذتُ نصيبي من السرور وأنا أكتب عن شجرة لطيفة مثل هذه😁

    إعجاب

أضف تعليق