بلون المشمش

أحب الحَمام. في سور صفي تقف حمامة طوال الوقت بسكون تستمع لقراءة صغاري للسور التي يحفظونها والتي سيحفظونها، رمادية وعنقها قصير على خلاف الحمام الباقي، فيه ريش بنفسجي فاتح وأخضر مفاجئ، سيقانها قصيرة، ورأسها متناسق مع جسدها المكتنز الصغير، حين يتحول انتباه الصغار إليها وتخفت اصواتهم القارئة بعذوبة التلعثم واللثغات بأشكالها؛ أقول لهم: الحمامة تحب أصواتكم ولهذا تبقى، إن توقفتم أو تكاسلتم فستذهب بسرعة. ينظرون إلي وإليها بتناوب سريع ثم تعلو أصواتهم ويبدعون في التلاوة كي تحبهم الحمامة. أتساءل الآن لم لم أسمّيها باسم لهم، كان هذا سيكون فريدًا لهم وألصق بذاكرتهم، لكن فترة الدراسة انتهت، وسنباشر الامتحانات النهائية بداية الاسبوع القادم، جاءت اجازة الثلاثاء/ اليوم والأربعاء مفاجئة لي قليلًا، ظننت أنه أمامي وقت لوداع هذه الدفعة بكل قصصها وتعبها ولطفها، وعلى خلاف تصوراتي، صرفتهم مباشرة عند انتهاء دوام امس، لم أنس فقرة الوداع، لكني حاولت أن أتفاءل بأن أمامي وقت مع اسبوع الامتحانات ويوم اعلان النتائج، وربما.. ربما لم أعُد أحب الوداع كثيرًا، وربما لأنني هذه الفترة أصبحت دمعتي طارفة؛ أم دميعة.

تتبدل السماء كما قد تفعل فتاة حيرانة أمام دولاب ملابسها، تارة وردية وتارة برتقالية ومرة زرقاء سماوية والآن رمادية، مشهد لا زال يدهشني كل صباح. صباح أمس بعد ليلة كابية، زارتني حمامة، كدت أقفز في مكاني غير مصدقة أنها استجابت أخيرًا، تيبست في مكاني وتأملت حركتها الرشيقة والواثقة وهي تخطو على السور ملتقطة بقايا حبوب رششتها قبل أسبوع دون جدوى، ولهذا رششت اليوم أكثر لأن الأمل توقد من جديد. هذا يذكرني بأني لا أحب إطعام كل الحيوانات، خصوصًا الدجاج، الذي لا يحمل همًا سوى بطنه، على سبيل المثال؛ هذه بُنّة التي تسكعت بما يكفي في الحوش الكبير، ثم جاءت طواعية إلى بيت أخي الذي يبعد عنا بيتين او ثلاثة، وأحضرها أخي من هناك قبل يومين او ثلاثة، وجدت مساحة ضيقة جدًا بين العش الجديد والجدار كي تتزحلق من هناك وتخرج لتبحث عن أي شيء تأكله أو حتى لتأخذ لفة وترجع! يوم أن أحضرها أخي، حاولنا أن نسميها مع الديك الصغير الذي كبر ومع توأمتها، قال أخي أنه سيسمي الديك: مكرد، والدجاجة: كردة. قلت: وهذه المتشردة سمّها: كرفة لأنها تحتاج كرفة. والكرفة باللهجة اليافعية تعني الضرب الشديد. لكن منى التي تحب الدجاج رفضت الفكرة بشدة وقالت أنه ظلم تسميتهم بهذه الأسماء السيئة، واقترحت للديك اسم: حاجّ لأنه أبيض كله كمن يرتدي ثياب الاحرام، واقترحت مها اسم بُنّة للمتسكعة الشريدة، ولتوأمتها اسم هيلة لأنها هادئة. ولكي نفرق بينهما تأملتهما لأجد فرقًا فكانتا شبه متطابقتين، لكني لحظت أخيرًا أن بنّة عنقها طويل وريشها أبيض عمومًا بخلاف هيلة التي يغلب على ريشها اللون البني الفاتح. والآن استطيع معرفة بنة من هيلة حتى إذا تظاهرت بنة باللطف والأدب.

لون الغيم الآن رمادي مزرقّ، والشمس بلون مشمشي نثرت شعاعها الأول لليوم، يتراءى لي بالضبط من عند عقبة كريتر، لم تزرني حمامة، حين أقدر سأربي حمامًا، أو أعيش بقرب البحر وأصاحب النوارس أفضل، هاذان الكائنان هما الأفضل كصحبة، لا إزعاج، لا فوضى، العصافير لطيفه طبعًا لكن ليس للتأمل القليل لأنها مزعجة ومفرطة الحركة، وأنا لا ينقصني ذلك بالطبع، أريد شيئًا يطمئنني تأمله والنوارس هي أفضل من يفعل ذلك برقصها المحسوب فوق سطح البحر وفي هجماتها المتباعدة والدقيقة عليه لتلتقط سمكة بأعجوبة، الحمام أيضًا تطمئنني لكن ليس في فترة الفجر حيث تنوح بطريقة تقطع نياط القلوب، لكنها جميلة حين تصمت، مثل معظم الجميلات!

تأخرت تقريبًا عن دروس الصباح، أترككم في رعاية الله، كونوا بخير

فكرتان اثنتان على ”بلون المشمش

  1. انسجمت كثيراً مع سردك يا اسماء!

    و ما هذه العنصرية تجاه الدجاج يا ترى؟ 😁

    بالمناسبة، اتمنى ان تغيري رأيك في العيش مع النوارس، اراهن انك لم تعاشريهم جيداً فهم من اكثر الطيور وقاحة و قلة أدب 😆 بيني و بين النوارس باع طويل من الصراع، في استراليا كانت النوارس تخطف الأكل من ايادينا عندما نأكل بجانب النهر، و كل الناس يخبئون اكلهم خوفاً من سرقة النوارس، يصرخ في وجهك بكل صفاقة و يهاجم النوارس الاخرى ليستحوذ على الاكل لوحده، بالطبع كل واحد منهم يعتقد انه الرئيس و يبدأون بالصراخ على بعضهم البعض و يملؤن الدنيا ضجيجاً و ازعاجاً!

    في لندن النوارس متربية بطريقة افضل، فهم أعقل و اقل ازعاجاً من النوارس الأسترالية، و لكن انا فقدت الأمان و الثقة في هذا الطير المزعج!

    هل مازلتي تودين العيش معهم بعد ما ذكرته؟

    اتمنى لك ليلة سعيدة!

    بثينة اليوسف

    Liked by 1 person

أضف تعليق