صفحات صباح 📑

صباح الخير و الأمل للصادقين في مصلحة أنفسهم و للآخرين و لله و للرسول قبل أي شيء، امكثوا في كواكب الصدق ألا فقد بشركم الله بالشرف و المكانة[1]، و وعد قلوبكم المنهوكة لبطش الكاذبين بجزاء يليق بها لما يحين الوقت[2]، و من قلبي محبة عميقة و احترام و تقدير؛ اللهم اجعلنا من الصادقين.🤲

من شرنقتي، أقصد من بلكونة المنزل، أطل عليكم مع كوب شاي ملبن صنعته خصيصًا بهذا الثخن كي يرفع هذا الشيء الذي يجثم على ناصيتي فلا هو بصداع و لا قرقعة إنه دوي استيقظ معي من نومي، أعتذر لرائحة السمن إن كانت تزعج أحد ما هنا، يحلو لي إضافة القليل منه على الفاصوليا و هذه إحدى طبائعي البدوية القليلة و التي أكاد أفخر بها!، مع لحوح الدخن لأن الروتي “الصامولي” يبدو أنه قد أكله شبح ليلي، فصنعت هذا على عجالة و كنتُ قد فكرتُ بصفحات صباح اليوم، فمفعولها دافئ حبيب، أدعو كل من لم يجربها أن يفعل و لن يندم، بشرط ألا يقيد ما يكتب لا بحجم و لا بموضوع بل الأصح أنه إن قيدها و التزم بهذا القيد فإنه شيء مدهش، يا عزيزي الصباح من الوضوح و النقاء.

و بهذا السياق أقول: حتى المُنهكين و المُتعبين و المنكسرة قلوبهم و المُصابين بجلل، حتى هؤلاء، سيستيقظون صباحًا بوجه أكثر أملًا ثم ستحدد شخصياتهم عودتهم لمشاعر الأمس البائس أو الخوض في اليوم الحاضر مستكشفين الحوادث الجديدة التي إما قد تعيدهم إلى بؤسهم أو تقلبهم إلى سعداء.

في رواية البيت[3] إن لم أكن مخطئة، تقول غلوري بما معناه: أنه لما مات والدها ظنت أنها لن تضحك بعد ذلك أبدًا، و لكنها بالفعل تضحك بل و تشعر برغبة أكبر بالحياة؛ ليس لأن والدها قاسٍ أو صارم بل لأن شخصيتها لا تتقبل الحزن السرمدي لأشياء حتمية و قائمة سواء فعلنا شيئًا أو رقدنا في الحفرة السحيقة مستسلمين، علينا أن نتقبل، سنمضي.

لذلك من حكمة الله في شرعه أن قدر وقتًا معينًا للحداد، وقتًا لا يطول فيُنهِك و يعوِق و لا يقصر فيمتهن و يُمَرَر، و قدر للمعنيين وقتًا معتبرًا كي يفيضوا بحزنهم و تذكرهم ثم يمضوا بعدها برضا، ذلك بأن القلب مثل الكأس، يمتلئ و يمتلئ حتى يفيض باهتزاز موقف أو حركة انقلاب ليفيض، و لأن الله رؤوف بعباده لطيف فقد سهل لهم سبل التعبير عن حزنهم طوال مدة معينة هو أعلم منهم بأنها كفايتهم من الفيض الكثير، و أما الندوب فلا بد و إلا فمن أنت إلا رضيع بندبة الشهقة الأولى.

عفوًا، لقد عدت؛ صحيح بأني أحب السمن مثل البدو الذين هم مني و لستُ منهم، لكني بعادة مدنية بحتة ألحقه دائمًا بعلكة هيل أو أي نكهة لطيفة و هادئة، و الهيل على فكرة مُلهِم لمن يغفل كثيرًا، تهيلوا “صيغة الفعل من كيسي” بارك الله فيكم.

بالنسبة لموضوع الحداد فمن المعلوم أن عدته ثلاثة أيام، و للزوجة فقط أربعة أشهر، و إني لأتساءل من أصحاب البدع ماذا يجنون من مضاعفة الثلاثة إلى تسعة أو أربعين يوم، و مضاعفة حداد الزوجة إلى سنة، لا.. و زاد البعض أن يكون الحداد سنوي على حسب الذكرى! بربكم؟!

ثمة أناس يحبون المظاهر، قلوبهم كما البصلة عليها ألف قشرة و لكنها جافة لا تُدمِع؛ أعرفهم يخصصون مبالغ لشراء الأسود كي يتوشحوا بالحزن زيفًا، و يذبحون الذبائح تكلفًا و شهرة و هم في الفقر فتصبح مصيبتهم اثنتين فقرًا و فقدًا، و إنهم ليحكمون على الزوجة بالركون في الغرفة منكسة الرأس تبكي كدمية و من حولها يوشوشن الأخريات في مواضيع شاحطة من التعزية لها و التصبير، معظمهم لا يجد في صدره حزنًا على ميته و لا إجلالًا لحضور الموت و حتميته، و لكنه المظهر.

و إلا فبربك _و دعنا صادقين_ محزون مكروب مفجوع لموت حبيبه أوتظن للحظة أنه قد ينتبه لفقرة شراء ملابس جديدة تعبر عن حزنه القاتم؟ هذا يحدث بعد فترة تقبل الخبر، حيثُ يُصبح شيء أقرب للنقاهة أن يمجد الانسان حزنه و يرفع فقده كما منزلة قمر بينة.

و هل تظنه -ذلك المبتئس- أنه سيهتم بالطعام الفاخر الذي لن يسود وجهه أمام الآخرين؟ هذا لن يحدث، و قد جعل الشرع طعام العزاء من الناس المعزين، الذين من المفترض أن يكونوا عونًا و مرهمًا و سندًا لأولئك المحزونين، فيطعموهم و يواسوهم و يساعدوهم على تخطي المحنة، لا أن يجلسوا في مجلس متوشحين بلباس قاتم لا ينم إلا عن تجاهلهم التام للحدث، و أن يتشاورون و ربما يكركرون بصوت خفيض في مواضيع لا تناسب المجلس، و أكثرهم مصيبة و خبثًا الذين لا يجدون في عيونهم غضاضة من سكب دموع تماسيح، و لا بأس لديهم برفع أصواتهم كي يهيجوا القلوب المفجوعة بالفقد، ألا لا أقام الله لكم قائمة، اتقوا الله في المفجوعين، و ما أنتم لهم بالمعزين، إنكم لأنتم المصيبة بذاتها.

و هل تعتقد يا صديقي للحظة واحدة أن الحزن شيء يجدد؟ أقول لك، الحزن شعور لحظي مؤقت، دوامه من الشيطان و الافتعال، الندوب وحدها يمكنها أن تجعل لديك جرحًا غائر، لا حزنًا سرمدي قاهر، و كلنا نعرف بطبيعة النفس التي تتقلب بين السعادة و الحزن بلحظات و ليس ذلك عيبًا كي تنظروا إلى ما قلتُ بتوجس، هذه حقيقة، و يعرفها من ذاقوا المُر و الفقد و المحن، و الله مع الصابرين.

أطل هنا، مقال عميق عادل.

أنا لا أدري ما الذي قذفني لموضوع العزاء، و لن أعود لأرى و لكن لأنه موضوع طري حدث لصديقة أختي و أسمع من حوادثه الشيء العُجاب، فإنه قد بقي في رأسي ينتظر الشرح و الترتيب، اسأل الله أن يهدينا و الجميع سواء السبيل، آمين.

في الواقع العلكة أكثر من عشر دقائق مصيبة عندي، فكي يصدر أصوات مُتعبة و رأسي ينبض كعداد قنبلة، هذه المشكلة استغربن زميلات كُثر منها، و بعضهن لم يصدق ذلك: يبدو أنك تعانين من شيء ما!

العلكة في نساء عدن شيء لا يحتاج إلى تردد أو شرح، إنها عادة أصيلة لدى الصغيرات و الكبار، و لمضغها قواعد دقيقة كي لا تتحول إلى مهزلة، مع أن هذه الدفعة الأخيرة من البنات ليست متقيدة كثيرًا بالقواعد، لذلك تجد كبار السن منا يصدحن بمحاضرات عن “الدوق” و “البهدلة” الاثنتين بالذال لكنها تنطق هنا كذلك.

السماء غائمة تارة و صفراء باهتة تارة، الرياح هادئة و باردة، هذا هو شتاؤنا؛ الفوضى في الشارع بهذا الوقت عارمة للأولاد الذين يلعبون الكرة وسط الشارع و كأنه ليس هناك حديقتين و ملعبين في الجوار، و لكن يبدو أن لعب الكرة في الحارة له طعم آخر، مع أن والدي عصبي -مثل بعض الناس-.- و يخرج كل ثوان ليوبخهم من إزعاج ارتداد الكرة المستمر إن اقتربوا من بيتنا، لأنه شبه مفتوح من نوافذ و بلكونات فإن الكرة تبدو كما لو أنها تتردد في المنزل لا في الحارة، على الأقل يفهم الأولاد والدي و اعتادوا عدم الاقتراب من هنا كي لا ينالهم توبيخ والدي.

حسنًا، أظنني بحاجة للكتابة عن منزلنا يومًا، هذا المنزل الذي هو من أجمل نعم الله علينا، على مقاطعة و بجوار بيت جدي، إني حتى اللحظة لا أستطيع التصور كيف كانت ستكون حياتي بدون بلكونة أو بعيدًا عن تقاطع حافل بالحياة و الحركة، الحمد لله.

استيقظت اختي الكسولة، تم إطفاء جهاز التكييف و فُتِح باب البلكونة، ستبدأ الحركة عندي الآن، سأنهي الصفحات هنا.

إن كنتَ بحاجة لجرعة حياة يمكنك أن تطل على هذه التدوينة، من أجمل ما قرأت عن الأمل و الألم، حرفها رهيف كما قوام الغيم الخريفي.

بدأتُ التدوينة و شعري مرفوع و انتهيتُ من كتابتها و ربطة الشعر في مكان بعيد، العلك لا يناسبني، سأنتظر حتى الظهيرة إن استمر هذا الشيء يجثم على ناصيتي فسأضطر إلى شرب البنادول، هكذا علمتنا أمي لا نشرب الدواء إلا بعد استيفاء الحلول؛ أتساءل ماذا يمكن أن يُسمى!

الصورة مغشوشة من قبل أيام، و لكن الجو يشبه الآن.

[1]قول النبي صلى الله عليه و سلم: (حتى يكتب عند الله صديقًا)

[2]قوله تعالى: (ليجزي الله الصادقين بصدقهم)

[3]يمكن أن تكون رواية جين آيير، أشك.

فكرتان اثنتان على ”صفحات صباح 📑

أضف تعليق