باب خلفيّ

دائمًا؛ مبادئي المحور الذي يقلب الخطط بوجهي، وحتى اللحظة، لا أدري هل المشكلة في ترجمتي لها، ام في عدم تقبُّل مجتمعي لها!
أحب الناس، هذا يعرفه كل شخص يعرفني، أحب التعرف إليهم، أحب أن اسمعهم وأحكي لهم وأشترك معهم في شيء ما، أحب أن أقول بصوت عالي لكل انسان ألتقيه أننا لسنا غرباء بالمرة عن بعضنا. وأنا أكثر من يشعر بالغربة بينهم!
أحب الأناقة، وأسعى لضبط هندامي، منذ وقت بعيد، اهتممتُ بأن لا يراني أحد في حال مزرية، بدا لي أن الاهمال المظهري يؤذي أكثر مما نتصوّر، وقرّرتُ أن لا أكون مجرد تلوّث بصري في مجال رؤية أحدهم، لم أبالغ قط، فقط اعتنيت بكوني مرتّبة ونظيفة. الجمال لا يأخذ حيّزًا كبيرًا في هذه القضية، مثل ما يقولون: لكلٍّ جماله الخاص.
أحب الرفق بالكلمة، وأكره اللهجة القوية والنظرة الجافة والتلاقي على قحل، أهتم بأن أجبر كل من ألتقيه في طريقي، أضحك لأجله أكثر من قصته، أسأله عن أشياء أحدس أنه يحبها، أتطفَّل على تفاصيل قصصه، أحب أن يشعر من أمامي بأني أهتم به، لأنني أفعل ذلك حقًا، بغض النظر عن هويته أو سبب تلاقينا أنا مهتمة به كإنسان يشبهني تمامًا عدا بعض الظروف المحيطة. لا أستطيع الاغلاظ في القول في أول لقاء أو بدون سبب معقول، ببساطة وقاحتي (لأنني لست سامية بأخلاقي) لا تسعفني بسرعة، متأخرة دائمًا، وهذا بين أن يكون لصالحي كأخلاقية، وبين أن يكون وبالًا علي للاشارة على أني منافقة!
وعدا كل هذا؛ أنا لا آخذ تجارب الآخرين كمخططات مسلّم بها كي أعيشها بنفس الطريقة، أحب دائمًا أن أجرّب طرقًا أخرى، غالبًا تكون أكثر استسلام وأقل عدوانية، مما يضفي علي وهم التقبُّل لكل شيء يعترض طريقي، بينما في الواقع؛ أحاول أن أجد طريقة أخرى لعبور ذلك بدون تلك الاشياء التي لم تعجبني في تجارب الآخرين.

أعرف أن أي شخص في العالم لن يهتم بسيرة حياتي وطبائعي، وليس من الجدوى في شيء قراءة هذا الملف عن شخصيتي، لكني أحاول أن أبرّر سلوكي في الحياة ومنهجي. أكره الرفض، لذلك أتلوّى حتى أصله من باب خلفيّ! أعرف أن ذلك ليس صحيًا ولا صحيحًا، لكن قول “لا” لا يزال صعبًا عليّ، حتى أخاف أن آوي للاستسلام كأسهل حل! لا أعرف عن نفسي الوهن، لكني أعرف عنها الضعف، ضعف المواجهة والرفض. ولأنني أتأخر في التعبير عن رفضي، يكون الطرف الآخر قد نسج أحلامًا وردية بشأن سكوتي المفسّر على أنه قبول خجل أو تردد، أقول لنفسي أن مشكلة هذه الأحلام تعود لصاحبها ولا شأن لي ما دمتُ لم أعطي جوابي الأخير، لكني أعرف أن الأمر لا يزال صعبًا علي، أن تنطلق كلمتي “لا” مثل متفجرات في برج الأحلام المشيّد ذاك، أن يتبخر في رأس أحدهم شيء جميل، ومع علمي بأني لن أدفن رفضي في النهاية؛ أظل أطحن صراعي بداخلي بلا تعب، أستنزف نفسي عن آخري، وعندما يحين الوقت المحتوم لقول “لا” الأخيرة، أنفجر بالبكاء. انا لا أقصد أي شيء قاسي، أنا آسفة. مع أنه لا شيء يستدعي بكائي.
هكذا تنهكني مبادئي، مبادئي التي هي في عُرف مجتمعاتنا تعني شيء واحد، هو القبول الراضي، والحب اللامتناهي. وعندما يأتي الرفض لينقض كل ذلك، يتبدّى كما لو أنه أثر الخجل أو وهم التردد والخوف، لا يُعرَف أبدًا أنه منفصل تمامًا عن تعاملي الهادئ والمتقبل، لا يستطيع الكثير تقبُّل حقيقة أنه الحقيقة الأخيرة، رفضي.
كنتُ أعرف أن السؤال سهل للواقعين في مشكلة صعوبة قول “لا”: ما هي أسوأ الأشياء التي قد تحدث بعدها؟
والجواب سهل أيضًا إلى درجة مرعبة: أشياء كثيرة، لكني أتمنى أن أصمد بوجهها وأحافظ على عهدي لنفسي.
لم يجدي أي نفع ذلك الكتيِّب الذي دسسناه في عربة تسوّقنا قبل سنين طوال يا أمي، لم أعرف قط كيفية (تقبّل كلمة “لا”) لقد كان كتاب مصوَّر سخيف، ولم يعلّمني أبدًا كيف أتقبَّلها كردّ فعل وكإجابة لي.

5 أفكار على ”باب خلفيّ

  1. طاب يومك غاليتي ..بدلا من كل هذا الحمل فكري أن لا ستجعل الطرف الآخر يبحث على حال آخر في مكان آخر ولن تستنزف وقته ووقتك وأعصابك..أي بقولك للا ستساعدين الطرف الآخر زلن تمنيه ..أعرف أنك لن تقوليها الى ان كان الأمر ليس في مقدورك فعله ..لذلك أخبريهم بلا كي ترتتحي ويرتاحوا من وهم أنهم وجدوا الحال..
    فلسفة ساعدتني بعد مدة من العمل عليها كي اكتسبها لكنها الحقيقة المريحة في آخر المطاف ..

    دمت سالمة وكوني دائما بخير..ولأقل أنك إنسان جميل جدا وفعلا احبك..💚💚

    Liked by 1 person

  2. يومك أطيب يا سلمى العزيزة؛ المشكلة أني وصلتُ لهذه القناعة، وأن التأخير أسوأ بكثير من المصارحة، لكنني بعد، لا أملك الجرأة، لا يزال الأمر عسير 😖
    شكرًا لكلماتك الطيبة، لا أغلى من مساندة في أوقاتي الصعبة مثل التشجيع والكلمة الطيبة؛ أحبّك الله الذي أحببتني فيه يا جميلة 😘💙

    Liked by 1 person

أضف تعليق